قصر عروة بن الزبير بالمدينة المنورة |
عروة بن الزُبير
طلب الخليفة الوليد بن عبد الملك عروة بن الزبير لزيارته
في دمشق مقر الخلافة الأموية فتجهز عروة للسفر من المدينة النبوية إلى دمشق
واستعان بالله وأخذ أحد أولاده معه (وقد كان أحب ابناؤه السبعة إليه) وتوجه إلى الشام
فأصيب في الطريق بمرض في رجله أخذ يشتد ويشتد حتى أنه دخل دمشق محمولاً لم يعد
لديه قدرة على المشي.
انزعج الخلفية حينما رأي ضيفه يدخل عليه دمشق بهذه
الصورة فجمع له أمهر الأطباء لمعالجته، فاجتمع الأطباء وقرروا أن به الآكلة (ما
تسمى في عصرنا هذا الغرغرينا) وليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق، فلم يعجب
الخليفة هذا العلاج، ولسان حاله يقول (كيف يخرج ضيفي من بيت أهله بصحة وعافية
ويأتي إلي أبتر رجله وأعيده إلى أهله أعرجاً) ولكن الأطباء أكدوا أنه لا علاج له
إلا هذا وإلا سرت إلى ركبته حتى تقتله، فأخبر الخليفةُ عروةَ بقرار الأطباء، فلم
يزد على أن قال (اللهم لك الحمد).
اجتمع الأطباء على
عروة وقالوا: اشرب المرقد.
فلم يفعل وكره أن يفقد عضواً من جسمه دون أن يشعر به.
قالوا: فاشرب
كاساً من الخمر حتى تفقد شعورك.
فأبى مستنكراً ذلك، وقال: كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه.
قالوا: فكيف نفعل
بك إذاً ؟!
قال: دعوني أصلي فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون
!! (وقد كان رحمه الله إذا قام يصلي سهى عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى).
قصور ترجع للعصرين الأموي والعباسي، من أشهرها قصر عروة بن الزبير وقصر سعيد بن العاص وقصر مروان بن الحكم وقصر سعد بن أبي وقاص، وقصر سكينة بنت الحسين. |
فقام يصلي وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه
وأعملوا مباضعهم في اللحم حتى وصلوا العظم فأخذوا المنشار وأعملوه في العظم حتى
بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً، وكان نزيف الدم غزيراً
فأحضروا الزيت المغلي وسكبوه على ساقه ليقف نزيف الدم، فلم يحتمل حرارة الزيت،
فأغمي عليه.
في هذه الأثناء أتى الخبر من خارج القصر
أن ابن عروة بن الزبير كان يتفرج على خيول الخليفة، وقد رفسه أحد الخيول فقضى عليه
وصعدت روحه إلى بارئها !!!
فاغتم الخليفة كثيراً من هذه الأحداث المتتابعة على ضيفه،
واحتار كيف يوصل له الخبر المؤلم عن انتهاء بتر ساقه، ثم كيف يوصل له خبر موت أحب
أبنائه إليه.
ترك الخلفية عروة بن الزبير حتى أفاق،
فاقترب إليه وقال: أحسن الله عزاءك في رجلك؟!.
فقال عروة: اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
قال الخليفة: وأحسن الله عزاءك في ابنك؟!.
فقال عروة: اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون،
أعطاني سبعة وأخذ واحداً، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً، إن ابتلى فطالما عافا،
وإن أخذ فطالما أعطى، وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة.
ثم قدموا له طستاً فيه ساقه وقدمه
المبتورة فقال: إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم.
بدأ عروة رحمه الله يعود نفسه على السير متكئا على عصى ,
فدخل ذات مرة مجلس الخليفة , فوجد في مجلس الخليفة شيخاً طاعناً في السن مهشم
الوجه أعمى البصر فقال الخليفة : يا عروة سل هذا
الشيخ عن قصته ؟!.
قال عروة: ما قصتك
يا شيخ؟!
قال الشيخ: يا عروة اعلم أني بت ذات ليلة في وادٍ، وليس
في ذلك الوادي أغنى مني ولا أكثر مني مالاً وحلالاً وعيالاً، فأتانا السيل بالليل
فأخذ عيالي ومالي وحلالي، وطلعت الشمس وأنا لا أملك إلا طفل صغير وبعير واحد، فهرب
البعير فأردت اللحاق به، فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفي صراخ الطفل فالتفتُ فإذا
برأس الطفل في فم الذئب فانطلقت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزقه الذئب بأنيابه،
فعدت لألحق بالبعير فضربني بخفه على وجهي، فهشم وجهي وأعمى بصري !!!.
قال عروة: وما
تقول يا شيخ بعد هذا؟!
فقال الشيخ: أقول الله لك الحمد ترك لي
قلباً عامراً ولساناً ذاكراً.
هكذا إخواني الكرام يكن الصبر، وهكذا يكن الإيمان
بالقضاء والقدر.
رحم الله عروة بن الزبير وأكثر الله من
أمثاله الذين عرفوا معنى الإيمان بالقضاء والقدر حق الإيمان، وعرفوا الصبر في
المصائب حق الصبر.