الجمعة، 13 ديسمبر 2013

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}



قيل : لا تقابلا الإساءة بمثلها، بل قابلها بالإحسان، لعل منْ أساء يعتبر بإحسانك فيتعظ .
يحوي شرعنا الحنيف الكثير من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على مقابلة الإساءة بالإحسان، وهو من معالي الأخلاق ومكارمها، ومن النصوص الدالة على ذلك قول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} {فصلت:34}.
وقوله سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} {آل عمران:134}.
وقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} {المؤمنون:96}.
وما من موعظة أولى من المعاملة بالحسنى فيصح القول ، عامل الناس بما تُحب أن يعاملوك به ، وأنت تريد أن يعاملوك بالموعظة الحسنة .
قال تعالى{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} {الأعراف: 199}
روى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله : (( خذ العفو وأمر بالعرف )) قال : " ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس "
وقال جعفر الصادق : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية
قال الإمام ابن القيم : وقد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - :
هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
فقوله: "خذ العفو" دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين.
ودخل في قوله: "وأمر بالعرف" صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.
وفي قوله: "وأعرض عن الجاهلين" الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة.
قال أبو بكر بن العربي:-
قال علماؤنا : هذه الآية من ثلاث كلمات ، قد تضمنت قواعد الشريعة المأمورات والمنهيات ، حتى لم يبق فيه حسنة إلا أوضحتها ، ولا فضيلة إلا شرحتها ، ولا أكرومة إلا افتتحتها ، وأخذت الكلمات الثلاث أقسام الإسلام الثلاثة
فقوله : (( خذ العفو )) تولى جانب اللين، ونفي الحرج في الأخذ والإعطاء والتكليف .
وقوله)) : وأمر بالعرف ))تناول جميع المأمورات والمنهيات ، وأنهما ما عرف حكمه ، واستقر في الشريعة موضعه ، واتفقت القلوب على عمله .
وقوله : (( وأعرض عن الجاهلين )) تناول جانب الصفح بالصبر الذي به يتأتى للعبد كل مراد في نفسه وغيره ، ولو شرحنا ذلك على التفصيل لكان أسفارا"
 زبيدة العباسية زوجة هارون الرشيد
يُحكى أن زبيدة العباسية زوجة هارون الرشيد كانت جالسة في قصرها ذات يوم، فدخلت عليها حاجبتها تقول أن امرأة جميلة ، عليها ثياب بالية، تريد الدخول وتقول إنها تعرفك من زمن .
هارون الرشيد كما رسم في كتاب ألف ليلة وليلة
هارون الرشيد كما رسم في كتاب ألف ليلة وليلة
فأنكرت زبيدة المرأة، ولكن منْ حضر من جواريها طلب الإذن للمرأة بالدخول، فأذنت لها، فدخلت ترتدي رداءاً مرقعاً وجعلت تمشي على استحياء، حتى انتهت إلى الباب، فسلمت:
فردت زبيدة عليها السلام.وقالت لها : منْ أنت؟!
قالت: أنا طريدة الزمان وطريحة الحدثان، مات رجالنا واختلت أحوالنا وجفانا الصديق وكدنا نلقى على الطريق. 
فقالت لها زبيدة انتسبي؟!
فقالت، أنا زبيدة بنت مروان بن محمد ( أخر خلفاء بني أمية) .
فقالت زبيدة: لا حياك الله ولا سلم عليك، ثم ذكرتها ببعض حوادث حصلت منها في زمن عظمتها.
فبكت وقالت: يا بنت العم، وأي شيء أعجبك من الإساءة وقطع الرحم حتى تقتدي بي في ذلك؟!
ثم انصرفت فندمت زبيدة على ما حصل منها، فقامت تعدو خلفها حتى أدركتها فاعتذرت منها ، فرجعت .
ثم أمرت زبيدة جواريها فأدخلنها الحمام واحضرن لها أصنافاً من الثياب فاختارت منها ما شاءت وتطيبت فقامت إليها زبيدة وعانقتها ورفعت مجلسها.

من الخير لنا أن نقابل الإساءة بالإحسان، والخطايا بالغفران، إن كنا ننشد رضي الرحمن، واليوم فلقد عفوت عن كل منْ إليً أساء، وفي حقي أخطئ، بل أصبحت لا أهتم بكل ما يُقال عني مدحا كان أو ذما.

هناك تعليق واحد:

  1. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
    قيل : لا تقابلا الإساءة بمثلها، بل قابلها بالإحسان، لعل منْ أساء يعتبر بإحسانك فيتعظ .
    يحوي شرعنا الحنيف الكثير من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على مقابلة الإساءة بالإحسان، وهو من معالي الأخلاق ومكارمها، ومن النصوص الدالة على ذلك قول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} {فصلت:34}.
    وقوله سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} {آل عمران:134}.
    وقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} {المؤمنون:96}.
    وما من موعظة أولى من المعاملة بالحسنى فيصح القول ، عامل الناس بما تُحب أن يعاملوك به ، وأنت تريد أن يعاملوك بالموعظة الحسنة .
    قال تعالى{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} {الأعراف: 199}
    روى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله : (( خذ العفو وأمر بالعرف )) قال : " ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس "
    وقال جعفر الصادق : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية
    قال الإمام ابن القيم : وقد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين.
    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم
    قال الإمام القرطبي - رحمه الله - :
    هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
    فقوله: "خذ العفو" دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين.
    ودخل في قوله: "وأمر بالعرف" صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.
    وفي قوله: "وأعرض عن الجاهلين" الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة.
    قال أبو بكر بن العربي:-
    قال علماؤنا : هذه الآية من ثلاث كلمات ، قد تضمنت قواعد الشريعة المأمورات والمنهيات ، حتى لم يبق فيه حسنة إلا أوضحتها ، ولا فضيلة إلا شرحتها ، ولا أكرومة إلا افتتحتها ، وأخذت الكلمات الثلاث أقسام الإسلام الثلاثة
    فقوله : (( خذ العفو )) تولى جانب اللين، ونفي الحرج في الأخذ والإعطاء والتكليف .
    وقوله)) : وأمر بالعرف ))تناول جميع المأمورات والمنهيات ، وأنهما ما عرف حكمه ، واستقر في الشريعة موضعه ، واتفقت القلوب على عمله .
    وقوله : (( وأعرض عن الجاهلين )) تناول جانب الصفح بالصبر الذي به يتأتى للعبد كل مراد في نفسه وغيره ، ولو شرحنا ذلك على التفصيل لكان أسفارا"
    يُحكى أن زبيدة العباسية زوجة هارون الرشيد كانت جالسة في قصرها ذات يوم، فدخلت عليها حاجبتها تقول أن امرأة جميلة ، عليها ثياب بالية، تريد الدخول وتقول إنها تعرفك من زمن .
    فأنكرت زبيدة المرأة، ولكن منْ حضر من جواريها طلب الإذن للمرأة بالدخول، فأذنت لها، فدخلت ترتدي رداءاً مرقعاً وجعلت تمشي على استحياء، حتى انتهت إلى الباب، فسلمت:
    فردت زبيدة عليها السلام.وقالت لها : من أنت؟!
    قالت: أنا طريدة الزمان وطريحة الحدثان، مات رجالنا واختلت أحوالنا وجفانا الصديق وكدنا نلقى على الطريق .
    فقالت لها زبيدة انتسبي؟!
    فقالت، أنا زبيدة بنت مروان بن محمد ( أخر خلفاء بني أمية) .
    فقالت زبيدة: لا حياك الله ولا سلم عليك، ثم ذكرتها ببعض حوادث حصلت منها في زمن عظمتها.
    فبكت وقالت: يا بنت العم، وأي شيء أعجبك من الإساءة وقطع الرحم حتى تقتدي بي في ذلك؟!
    ثم انصرفت فندمت زبيدة على ما حصل منها، فقامت تعدو خلفها حتى أدركتها فاعتذرت منها ، فرجعت .
    ثم أمرت زبيدة جواريها فأدخلنها الحمام واحضرن لها أصنافاً من الثياب فاختارت منها ما شاءت وتطيبت فقامت إليها زبيدة وعانقتها ورفعت مجلسها.
    من الخير لنا أن نقابل الإساءة بالإحسان، والخطايا بالغفران، إن كنا ننشد رضي الرحمن، واليوم فلقد عفوت عن كل منْ إليً أساء، وفي حقي أخطئ، بل أصبحت لا أهتم بكل ما يُقال عني مدحا كان أو ذما.

    ردحذف